Middle East Watch

Middle East Watch
The alternative press revue for a free Middle East

© تموز (يوليو) 2022


صعاليك ...لا قراصنة

من عروة بن الورد إلى محمد فارح عيديد...ولن ننتهي!

الجمعة 28 ذو الحجة 1429, بقلم د. عادل سمارة

كل اصدارات هذا المقال:

  • عربي

في الأجل القريب لن يأتي للعالم عبقري كمحمد الذي أتى لقريش وجعل من الصعاليك والفقراء قوة تغيير للعالم. لم يحن الوقت بعد ليعود محمد في ثوب اشتراكي هذه المرة.

وهكذا، تعود الصومال إلى واجهة الإعلام العالمي بحجم قمة العشرين مجتمعة. أليست هذه مفارقة تاريخية؟ فأي عالم هذا؟ وتُعيد لنا الصومال فرصة استحضار التاريخ العربي القديم بل امجاد الصعاليك. فقبل مجيىء الرسول، كانت الفوارق الطبقية في قريش هائلة. كانت أرباح طبقة التجار، التجارة بعيدة المدى التي أسست للإمبراطورية العربية قد راكمت في مكة اموالا طائلة، وإلا كيف تمت كتابة المعلقات السبع بالذهب على جدران الكعبة؟ اليس هذا بذخاً. وحين تقول المعلقات آنذاك، فأنت تتحدث عن كتاب "داس كابيتال –راس المال لماركس" فالمعلقات كانت تقرأ لنا المجتمع العربي آنذاك. وكان الفقراء يموتون جوعاً ويبيتون على الطِوى في جزيرة العرب. يا لروعة التاريخ كم هو مخلص لنا دون أن نعلم. فما الذي يجري اليوم في جزيرة العرب النفطية غير ما كان لقريش!

ماذا كان للصعاليك أن يفعلوا آنذاك. لم يكن لعروة بن الورد إلا أن يستل سيفه، سلاح فردي بسيط، كالبندقية اليوم، بندقية تشي وكتابه ليس اكثر، ويمضي لتأميم الأغنياء ليُطعم الفقراء الذين كان يجمعهم في "الأكناف جمع كنيف" إلى أن يبرأوا من غوائل الضنك والجوع، فينضمون إليه. كيف لا وهو القائل:

أقول لأصحاب الكنيف وقد غدوا كما الناس لمَّا أمرعوا وتموَّلوا

كان للصومال دولة، وكانت تحاول بناء اشتراكية ما. لكن حكومتها انعطفت نحو الراسمالية، وجاء صندوق النقد الدولي ليعطيها وصفات قاتلة فقتل الاقتصاد وجاع البلد، وفقد مصادر ثروته الحيوانية، وتوقف ما تنفقه الدولة على التعليم والصحة ليسدد اقساط قروض الصندوق الدولي. وبالمناسبة نفس الصندوق الذي قرر بوش وقمة العشرين تقوية قبضته على فقراء العالم قبل ايام. اي صوملة أكبر عدد ممكن من أمم العالم. وحين صار الصومال يُعادل فقراً ومجاعةً وكذلك معظم القرن الإفريقي قررت العولمة إلقائه خارج التاريخ. اي تاريخ، التاريخ الجديد أو الحديث للاستعمار والإخضاع والاستغلال. لا يوجد ما تسرقه الإمبريالية من هناك. أليس غريباً أن نجد مكاناً لا شيىء فيه، وتحديداً من منظور راس المال الذي لا يمكن إلا أن ينهب لدرجة أنه قد يخلق ثروة لينهبها.

حينها قررت الولايات المتحدة غزو الصومال بحجة أن الإرهاب يتجمع هناك. يعيد اصطفافه الطبقي والفكري معاً. فقام بوش الأب بعملية شاعرية الإسم، يا لله كم كان هذا الرجل طيباً ولطيفاً وصاحب مخيال يفوق المتنبي وشكسبير ورابندارات طاغور، فاسماها عملية "استعادة الأمل" وهناك بماذا قصف الصومال؟ ليس بالورد والهامبرجر والأرغفة بل بالنابالم، ما أجمل هذا الأمل. هل هذه فسحة الأمل التي تحدث عنها المتنبي: "ما اضيق العيش لولا فسحة الأمل"ِ وبالطبع أقرت الأمم المتحدة والأمة العربية هذا العدوان. وكانت المقاومة الصومالية. السيقان السوداء الملتوية جوعاً والبطون الملتصقة بالظهور المتخلصة من المعدة والأمعاء معاً، فلا شيىء يؤكل، قامت رغم ذلك بسحل جنود الإمبراطورية في الشوارع. يا للعجب، كيف يمكن لهذا الجائع بوزن ٤٠ كيلوغرام أن يجر علجاً يفيض منه الشحم ويعادل في الوزن قرية صومالية ناهيك عن وزن سلاحه وكثافة ملابسه. نملة ضئيلة الحجم تجر صرصارا ضخماً. لكنه حصل.

وكان الجنرال، تصوروا، جنرال عربي في الصومال، هل يُعقل هذا؟ انه محمد فارح عيديد، واسمه محمد كذلك. هذا يكفي وحده لغزو الصومال وذبحه، قام الرجل بالمقاومة، وهزم الأميركان، ومعهم جند مسلمين من باكستان، أي شرف بالطبع هذا! وطورد عيديد بالطائرات ودفعت رشوة لأي عميل يُخبر عنه بالملايين.

ذات مرة كتبت إحدى كبريات صحف أميركا تقول:" بوسع الأقمار الصناعية ان تلتقط بيتا او سيارة لكن ليس بوسعها التقاط صورة شخص والتعرف إليه...لذا نحتاج في الصومال إلى عملاء ...ولكن لا يوجد في الصومال مثقفين". شكراً وصلت الرسالة وعرفنا من هو المثقف!(ترجمت هذا في أحد أعداد مجلة كنعان). لكن ألا يغريك هذا بكسر القلم، وسحب الأفكار من الرأس؟

ذات يوم اعتقدوا أنه في مستشفى، فدكته الطائرات لتقتل ٣٧٥ شخصاً (هذا نقلا عن مجلة غربية من المركز اي لا تعشق العرب هي نيو لفت ريفيو)، ولم يكن عيديد هناك. وأخيراً استشهد الرجل. ولكن، لم يأكل الصوماليون! وليس الهدف إطعامهم.

ماذا يفعلون إذن؟ عليهم أن يساهموا في "الإرهاب" " هذا اسم كتابي قبل عامين "مساهمة في الإرهاب". ولكن كيف؟

الصعاليك العرب، من صحراء مكة إلى صحراء المحيطات بدءاً من خليج عدن وصولا إلى خليج "ديليسبس- السويس". سيطروا على البحر، ألا يحتاج هذا لخيال شاعر كي يرسم اللوحة في حقبة العولمة. لست بشاعر، بالطبع، ولكن الواقع يخلق كل شيىء. بل إنه الجوع من جهة، وروح التمرد من جهة ثانية.

سرقات اغتصاب اموال؟ وما العيب؟ اليست الشركات الكبرى هي لصوص ضخام؟ وإلا من اين لها كل هذا؟ أليس المضاربون لصوصاً؟ أليس وول ستريت وكر لصوص؟

وهكذا، تعالت الدراما ليصل عدد السفن المختطفة، (المؤممة لفقراء تمردوا) إلى ٩٥ سفينة، من بينها الأدسم، ناقلة النفط السعودية. تماماً كأننا في قريش، نستحضر التاريخ أو هو يستحضرنا. فمئة مليون دولار، يمكن ان تطعم الصومال عاماً، عرب "يؤممون" عرباً طالما ان فلوس العرب تذهب لإنقاذ المصارف الأميركية، والتي رغم الإنقاذ تطرد عمالها الأميركيين. الا يدفع هذا لامتشاق السيوف. لا شك أن الصوماليون يقولون: "آهٍ على فلتات السيوف، إذا حرَّش الجوع خبز الصغار"، فماذا حين تصبح دورة الحياة : "من مطلع الجوع حتى مغيب الشَبَع" رحم الله عبد اللطيف عقل، لقد ابدع في فهم الجوع لأنه كان فقيراً حقاً.

يقول محللون ان هذا سوف يسمح للدول الغربية بالسيطرة على البحر الأحمر. عجباً، وهل هناك شبراً عربيا غير محتل!!!

سوف يتكالب كل هؤلاء على قراصنة الصومال، حرب الغوار المائية هذه المرة. ولكن، في الأجل القريب لن يأتي للعالم عبقري كمحمد الذي أتى لقريش وجعل من الصعاليك والفقراء قوة تغيير للعالم. لم يحن الوقت بعد، ليعود محمد في ثوب اشتراكي هذه المرة.

ملاحظة

كنعان النشرة الألكترونية


RSS 2.0 [?]

Private area

Site powered by SPIP
Template GPL Lebanon 1.9